الأحد، 26 نوفمبر 2017

أحكام تتعلق بالتبرج

الإصرار على استحضار التبرج عند الكلام عن وقائع التحرش هو خليط من الجهل والحمق وقلة المروءة.

بداية لا نزاع هنا في أن التبرج هو أحد الأسباب والعوامل المؤدية لحدوث التحرش، وأنه في كثير من الأحيان المتعلقة بصورة التبرج أو طبيعة المجتمع؛ يكون لهذا العامل الوزن النسبي الأكبر في حدوث التحرش، والسببية لا تعني تبرير الجريمة لكنها تعني المناقشة والتنبيه على وجوب تولي مسؤولية صيانة النفس.

لكن كلامي هنا عما يلي:

أولاً: الإشارة لهذا العامل في سياق بحث عام للأزمة، وفي خطاب تحليلي إصلاحي يقرر الحجاب كوسيلة فعالة للتقليل من التعرض لهذا الأذى، هذا سائغ ومفهوم، وإنكار فائدة الحجاب في هذا نوع من الخلل القبيح، والاستدلال بأن فيه تحرش بالمحجبات سوء فهم لطبيعة الممارسات الوقائية، فمفيش حد قال إن الممارسة الوقائية تعني الحماية الكاملة أصلا.

لكن غير المفهوم أو المقبول هو مواصلة استحضار هذا العامل عند التعليق على حوادث التحرش، خاصة المرتبطة بأشخاص معينين يبلغهم كلامك كتعليق على أذاهم، أو استعماله كرمز خفي لتخفيف مسؤولية المتحرش، أو للنكاية المتسترة بالمتبرجة، أو حتى كوسيلة ضغط على المتبرجة تمهد لوعظها، كل ذلك عبث واستهتار بمسؤولية المصلح في معالجة خلل أخلاقي يستشري كهذا الورم،  والتحرش جرم ثابت لا يبيحه شرع، ولا يوزن بخطأ التبرج، وكان أهل المروءة من العرب وغيرهم يستقبحون هذا ولا يكاد يأتيه إلا أراذل الناس، وما كانوا يعاملون التبرج هذه المعاملة، فالفرق بين الخطئين كبير لا وجه لوضعهما داخل أي منطقة مشتركة أصلا بعد هذا.
وإن أردت الدلالة على أن الموضوع خرج عن النظر الإصلاحي إلى إرادة النكاية بالمتبرجة فانظر إلى رفض بعض الإسلاميين في الخليج لتقنين تجريم التحرش، بدعوى إن مفيش داعي وحزم القاضي يكفي، رغم أنهم لو عرض عليهم غدا تقنين تجريم أمور أقل من التحرش مما ينكرونها كمحال لبيع الموسيقى مثلا لقبلوها مستبشرين، ورغم أنهم يغوصون لشحمة آذانهم في قوانين تافهة تتعلق حتى بمنع التحرش بالسيارات.

ثانيًا: إن التبرج لا يسقط حقوق المرأة وحرمتها كما أن هذا الحق والحرمة يجب حفظه ولو كانت المرأة كافرة، والتبرج بمجرده يخدش دين المرأة وينقصه لأنه معصية،  لكنه لا يعني فساد المرأة، ولا حتى ضعف أصل استقامتها الأخلاقية فإن الحجاب من كمال الحشمة الواجب وليس من أصلها ولذلك جاز سقوط بعضه عن مسلمة مستوفية الحرمة كالأمة، فالحجاب كمال واجب تأثم تاركته وإنكار وجوبه الشرعي كفر؛ لكن غير المحجبة لا يعني هذا أنها فاسدة أخلاقيًا أو أنها غير عفيفة أو ليس لديها حياء، وإنما ببساطة لديها معصية يرى كثير من العلماء أنها كبيرة، لكن لا علاقة لها بملف شرفها وعفتها أصلا.

وبالتالي فلهذه المرأة حرمة لا يجب انتهاكها ولو أخطأت، واستمرار استصحاب خطؤها وزيادة الكلام فيه أكثر من الكلام عن خطأ المتحرش= نقص في تصور الفرق بين الخطئين، فخطأ الضحية الجزئي لا يخرجها عن كونها ضحية، وصرف وجوه الناس عن كونها ضحية لمتحرش ساقط لدين والخلق والرجولة، ثم استمراء الثرثرة حول خطئها= كل ذلك فساد ديني وخلقي وعورة فكرية.

ثالثاً: طبيعة المجتمعات تغيرت جدا مع الثورة الإعلامية والانفتاح ونوافذه التي تتسرب منها أطنان القذارة كل ساعة، وكنت أرى أقراني في سن المراهقة يستحون جدا إذا رأوا فتاة مغطاة الرأس ويستقبحون حتى التحرش اللفظي بها، والآن أقسم بالله العظيم أني حضرت تحرشا جسديا بثدي امرأة مغطاة الوجه في رمضان، وألوانا أخرى من التحرش بمنتقبات، على صورة لا تبلغ بلاشك نسب التحرش بالمتبرجات كما يحلو للبعض المغالطة، لكنها وصلت إلى نسب  تدل على خلل مجتمعي يستوجب التركيز على هذه الجريمة دون خلطها بشيء آخر مما يشتهي الناس ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

أخيراً: ماذا تريد من امرأة تم الاعتداء على جسدها فإذا بلسانك يلوك كلاما حول لباسها، كيف ترى نظرتها إلى دينك وخلقك وغيرتك ورجولتك؟

هل سمعت عن الذين يعلقون على جرائم الطغاة دائما بكلمتين عن أنهم مجرمون وعشر كلمات عن: إيه اللي وداها هناك؟

الأستاذ/ أحمد سالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق