الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

المدارس اللغوية البنيوية

1- مدرسة جنيف
يعد رائد هذه  المدرسة بل ورائد علم اللغة الحديث هو دي سوسير. وقد أرسى قواعد هذه المدرسة من خلال مبادئه وفرضياته التي وضعها لوصف لغة ما، وكانت تلك الفرضيات هي حجر الأساس لجميع النظريات اللغوية التي جاءت بعده. وهي مجملة على النحو التالي:
(1)  أن اللغة تمثل ثلاثة مصطلحات رئيسة هي:
اللغة = langue = القدرة اللغوية التي تكمن في أذهان متحدثي اللغة.
الكلام = parole= الأداء اللغوي في مواقف ملموسة
القدرة على اكتساب اللغة = langage
·        الشخص المعني بالتحليل اللغوي هو المعني بالوقوف على جملة المبادئ أو القواعد او القوانين التي تحكم على الأداء اللغوي في مواقف بعينها وأن الهدف من البحث اللغوي هو langue = اللغة ولكن استنادًا إلى parole= الكلام.
إذن الهدف هو langue / اللغة لكن وسيلته هو parole/ الكلام وقُسم إلى قسمين: هما لغة في الذهن ،  لغة الأداء.
(2)  أن اللغات تمثل نظامًا من الرموز، كل رمز يمثل علاقة اصطلاحية ( اصطلح عليها أهل اللغة) قائمة بين الصورة الصوتية (acustic image) والمعنى (meaning).
Parole = عملية ذات وجهين                     صورة صوتية
معنى
(3)  أن هذه العلاقة الاصطلاحية بين الصورة الصوتية والمعنى تمثل نظامًا من القيم (system of values) بحيث تقف كل قيمة في ذلك النظام في مقابل باقي القيم. وهو ما يمثل مفهوم التقابل (contrast) يعني قيمة التذكير والتأنيث ( يكتب – تكتب)، قيمة المفرد والجمع (اكتب – اكتبوا)، قيمة الملكية كذلك (كتابي – كتابكم – كتابكن). كل قيمة صوتية لها مدلول تقف مقابله قيمة أخرى  فمثلًا التعدي في مقابل اللزوم، والأمر في مقابل الطلب، الإنشاء في مقابل الخبر.
(4)  أن هذا النظام القيمي يمكن دراسته وتحليله من خلال اتجاهين:
أ‌-     الاتجاه الأفقي: التقطيع أو التجزئة (segmentation):
-     Baba/ a/li/ kwenda soko/ni.
يتم التقطيع على المستوى الأفقي بآلية التقطيع ، حيث تكون هناك علاقات سياقية ويتم تحويل السياق إلى (segment)
ب‌-  الاتجاه الرأسي: الجدولة (paradigm)
-     Baba/ a/li/ kwenda soko/ni.
العلاقات الاستبدالية المعنية بالصنف الاستبدالي الواحد. بحيث يحول اللغة إلى ما أشبه الكراتين وهي علاقات صرفية فمثلا نستبدل كلمة (baba) بكلمة (wewe  أو yeye أو mkulima) وفي هذا الحالة فإنه تبعًا لنظام اللغة ستسير بقية الجملة.

(5)  أن علاقتي التقطيع والاستبدال تستند إلى مادة لغوية تتسم بالشمولية (متن/ corpus) يقيس هذا المتن نظامية اللغة systematic  يعني ألا تكون الكلمة مرة ضميرًا ومرة ظرفًا أو أنها هنا مفردة وفي أماكن أخرى جمعًا. وينبغي أن تكون المادة كبيرة وتتسم بالشمولية حتى تستوعب القدر الأكبر من الأنماط الواردة. وأن تكون قياسية وممثلة (كافية) على المستوى الفصيح. ويتم قياس اطرادها أي نظاميتها بحيث يقاس الاطراد في الأداء من خلال الآليتين ( المستوى الأفقي تقطيع المنطوق إلى أجزاء تقبل التحليل والوصف- المستوى الرأسي الاستبدال بمكونات أخرى والعلاقة بين الصنف الاستبدالي الواحد فمثلاُ لا يمكن استبدال الفعل بالحرف وهكذا).
وفي بادئ الأمر كان ثمة جهاز للتحليل الفونولوجي لمعرفة الوقفات (Pauses) ومن خلال نظامية العرض فإنه تتحدد وظائف المورفيمات.
(6) أن الإطار الزمني يكون آنيًا (Synchronic) وليس تعاقبيًا (Diachronic). فالدراسات الوصفية تنتمي إلى نوعين من الوصف:
-       وصف آني بمعنى أن يكون في الثلاثينيات مثلًا أو الأربعينيات أو في الفترة من كذا إلى كذا......إلخ. أي أنه محدد الفترة الزمنية. أما الوصف التعاقبي (Diachronic) فتكون هناك  علاقة بين المادة اللغوية مع الزمن  بحيث يقيس التغير(LINGUISTIC CHANGE) – وليس التطور – الذي قد يطرأ على اللغة في أحد مستوياتها.
ومؤرخو الفكر اللغوي يشيرون إلى أن تلك المبادئ والفرضيات قد ذكرها قبل دي سوسير العالم اللغوي (دي كورتيني) وهو واضاع مصطح الفونيم وصكه من كلمة روسية.
2- مدرسة براغ
قامت هذه المدرسة على تلك المبادئ التي أرساها دي سوسير كما استندت إلى تصور دي كورتيني للفونيم فأقاموا نظرية كاملة في التحليل الفونولوجي. ورائدا هذي المدرسة هما تربتسكوي وياكوبسون. ونتيجة لأعمال هذه المدرسة اتخذا البنيوية الوصفية صورة تحليلية دقيقة واضحة. وقد بدأ تربتسكوي بدراسة الأنثروبولوجيا ثم انتقل إلى دراسة اللغات الفنلندية، استفاد من الفرق الذي وضعه دي سوسير  بين اللغة والكلام في لتفريق بين علم الأصوات (phonetics) و (phonology) حيث قال ان الأولى هي الأصوات مجردة ومعزولة خارج البنية بحيث تدرس تحليل الأصوات ووصفها بغض النظر عن وظائفها. أما الفونولوجيا فهي علم خاص يعالج الظواهر الصوتية بوظيفتها داخل البنية اللغوية. ونضرب لذلك مثلًا بصوت ( النون) فهو صوت أغن سني صامت مجهور إلا أن دراسة هذا الصوت من وجهة نظر الفونولوجيا فإن له درجات وتنوعات بحسب السياق والبنية التي ورد فيها هذا الصوت؛ فليست النون في (نام ) مثل النون في (إن قام) مثل النون في ( إن سار) وهكذا.وقد عرف تربتسكوي الفونيم أنه هو " النماذج الصوتية التي لها قدرة على تمييز الكلمات وأشكالها أو الأنماط الصوتية المستقلة التي تميز الحدث الكلامي عن غيره من الكلمات الأخرى" ومن هنا كان للفونيم وظيفتان:
وظيفة إيجابية: أن الفونيم مع الفونيمات الأخرى تساعد على تحديد مدلول الكلمة.
وظيفة سلبية: أن الفونيم يحتفظ بالفرق بين كلمة  وكلمة أخرى.
وأقد أنتجت تلك المدرسة برنامجًا يمكن تلخيصه فيما يأتي:
أ‌.       لابد لعلماء اللغ من دراسة الوظيفة الأساسية للغة وهي الاتصال كيف يتم. ولمن يوجه.
ب‌.  اللغة ظاهرة طبيعية ذات واقع مادي يتصل بعوامل خارجية لذا يجب التفريق بين لغة الثقافة بصفة عامة واللغة في الأعمال الأدبية ولغة المجلات العلمية والصحف ولغة الشارع.
ت‌.  تتصل اللغة بكثيير من المظاهر العقلية لذا فإن البحث اللغوي ينبغي أن تدرس العلاقة بين البنية اللغوية والأفكار والعواطف التي توصل هذه البنية.
ث‌.  تختلف اللغة المنطوقة عن اللغة المكتوبة من حيث الخصائص.
ج‌.    توجيه أنظار الباحثين إلى الدراسة الوصفية وهذا لا يعني إهمال التاريخية بل أن تكون تلك التاريخية في ضوء الوصفية.
3-  مدرسة كوبنهاجن
أسسها هيلمسليف بالاشتراك مع كل من براندال وأودال ومن أشهر علمئها كذلك أوتو يسبيرسن. قامت أصول هذه النظرية على أسس دي سوسير غير أنه في عام (1934) وضع نظرية لغوية أطلق عليها اسم الجلوسيماطيقا زهي مأخوذة من الكلمة اليونانية (gloss/ اللسان أو اللغة) وقد أقام نظريته على أصول رياضية مما اضطره إلى استخدام مصطلحات جديدة وغريبة مما حد من انتشارها. إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية استقرت مصطلحاتها عند العلماء غير الدنماركيين ولم تكن النظرية دنامركية خالصة إذ كانت مستوحاة من المدرستين ( جنيف – سوسير) وقد كان يعد دي سوسير رائد علم اللغة الحديث، وبناء عليه كان يرى أن:
أ‌.       اللغة ليست مادة وإنما هي صورة أو شكل.
ب‌.  جميع اللغات تشترك في كونها تعبيرًا ثم محتوى.
ج. اكتشف وحدة القياس (no-neme) مثل ال (phoneme) للمستوى الصوتي، (morpheme) للمستوى الصرفي، (lexeme) للمستوى الدلالي.
ولكنه كان يرى أن اللغة عبارة عن نظام فريد قائم بذاته فهي تتطلب أدوات خاصة لتحليلها فهو يرى أن عالم اللغة عليه ان يضع نظرية لغوية تصدق على كل اللغات مثل الجبر للرياضيات. وترتب على هذه أنه نظر إلى العلاقات القائمة بين الوحدات أكثر من الوحدات أنفسها؛ إذ إن كل عنصر من العناصر اللغوية لا يزيد عن كونه نقطة من شبكة العلاقات فمثلًا الصامت والصائت كنا نفرق بينهما بأن الصامت لا يمكن أن يقوم بنفسه في المقطع أما الصائت فيقوم بنفسه في المقطع أما الجلوسيماطيقا فترى أن وجود الصامت يستلزم وجود الصائت أن الموصوف لابد من وجود صفة وأن حرف الجر يستلزم اسمًا بعده.والنظرية تمزج بين علم اللغة علم المنطق الرياضي بصورة تجريدية.
وعلى الرغم من أنها استندت إلى تحليلات رياضية دقيقة فإنها لم تتعرض لكثير من التطبيقات اللغوية وهي لم تتجاوز مرحلة التصنيف للعناصر اللغوية وثم فقدت بقيت هذه النظرية مجرد نظر بنيوية تصنيفية.

4- مدرسة بلومفيلد (المدرسة الأمريكية)
بالرغم من أن المدرسة الأمريكية تسمت باسم بلومفيلد فإنه ليس رائدها الوحيد ولا هو مؤسسها، بيد أن أفكاره ومنهجه هي التي أرست قواعد هذه المدرسة.
مكان النشأة:
في الولايات المتحدة الأمريكية.
زمان النشأة:
قبل ذهاب ياكبسون إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام (1911).
الرواد الأوائل: فرانز بواز – ادوارد سابير – ليوناردو بلومفيلد
كيفية النشأة وعمل الرواد:
·        كانت البداية على يد اللغوي الأمريكي فرانز بواز الذي أدرك أنه يتعامل مع لغات مختلفة في تركيبها عن اللغات الهندية الأوروبية التي درس قواعدها وفق المنهج التاريخي. ووضع منهجًا جديدًا لنفسه وهو أن كل لغة لها منطقها التركيبي الخاص بها . وأن منهج التحليل المناسب تفرضه طبيعة المادة اللغوية وقد قام بتطبيق هذه المنهج وقام بدراسة وصفية لعدد من اللغات الهندية الأمريكية.
·        إدوارد سابير وهو أحد تلامذة بواز، وقد بدا دراسته للغة بعيدًا عن أفكار دي سوسير غير ان فكرة النماذج اللغوية لا تبتعد كثيرًا عن التفرقة التي وضعها دي سوسير بين اللغة والكلام. ويقصد سابير بالنماذج اللغوية أن كل إنسان يحمل في داخله الملامح الأساسية لنظام لغته. وتلك الفكرة هي االشرارة التي بدأت عند تشومسكي فيما بعد وعبر عنه بالقدرة اللغوية. واللغة عند هي أحد أجزاء الثقافة والعلاقة بينهما هي الفاعلة ومتفاعلة. ظهر المعيار التوزيعي عنده في معرفة المعيار الحاسم الذي يمكننا من التعرف على الفونيم ويقصد بالمعيار التوزيعي " المواضع التي يظهر فيها فونيم معين مع الفونيمات الأخرى التي تشترك معه في نظام لغوي واحد.  
·        بلومفيلد:
صاحب المدرسة السلوكية والتوزيعية. وسنفرد له مقالًا خاصًا.
5- مدرسة فيرث (المدرسة السياقية)
أثرت هذه المدرسة في الفكر اللغوي الحديث تأثيرًا كبيرًا ذلك أن كثير من علماء اللغة العرب والغربيين قد درسوا على يد فيرث. أما نظريته فهي محصلة للدراسات اللغوية التي بدأت منذ نهاية القرن الثامن عشر بكشف السير ويليام جونز للغة السنسكريتية وعلاقتها باللاتينية واليونانية.وفي عام 1944 قام فيرث بإنشاء نظريته والتي أنتجت المدرسة الاجتماعية البريطانية وفكرتها الأساسية هي السياق. ولا شك ان العرب وبعض اللغويين قد تعرضوا لمثل هذه القضية إلا أن الفضل يعود إلى فيرث في إعادة صياغتها وفي شكل نظرية علمية.
والعالم اللغوي عنده إذا أراد أن يحصل على المعنى الدقيق للكلام فإنه يبدأ بالكشف عن العلاقات بين الوحدات اللغوية المكونة له. والتحليل يقوم على ثلاثة أركان:
1-  أن يعتمد التحليل اللغوي على السياق ويتمثل هذا في المتكلم والسامع، والعوامل والظروف الاجتماعية، وأثر الكلام على المشاركين.
2-  وجوب تحديد بيئة الكلام المدروس لأنه سيضمن عدم الخلط بين اللهجة واللغة وأن تكون الدراسة في مستوى لغوي واحد.

3-  تحليل الكلام إلى عناصره ووحداته المكونة له. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق